في الأيام الأخيرة عشنا أزمتين في قطاع الوقود، تسببا في كارثتين؛ الأولى هي الانفجار في خط غاز رئيسي بطريق الواحات في مدينة 6 أكتوبر بالقاهرة، والذي وقع مساء الأربعاء 30 أبريل 2025، في حادث مأساوي، راح ضحيته حتى كتابة هذه السطور 6 حالات وفاة، بينهم نجل الكاتب الصحفي والناقد الرياضي والصديق عصام سالم، بخلاف 10 مصابين حالتهم خطيرة، مع احتراق عشرات السيارات.
هذا الحادث يكشف عن ثقوب الإهمال ليس في وزارة البترول فقط؛ بل في العديد من الأجهزة المحلية، والفوضى التي تعم العديد من مؤسسات الدولة، وغياب التنسيق في الأعمال الخطيرة، مثل: أعمال الحفر في الطرق، دون اتباع النظم والمعايير، والحصول على تصريحات الحفر، وخرائط البنية التحتية في باطن الأرض.
التفاصيل تكشف الإهمال الجسيم في متابعة أعمال شركات المقاولات في بر مصر، سواء شركات عامة أو خاصة، فيوميًّا تقع حالات هنا أو هناك في بر مصر، عن انقطاع خطوط الاتصالات، أو الكهرباء، أو المياه، وغيرها من المرافق؛ نتيجة حفر خاطئ من شركة ما، والتسبب في قطع خطوط الخدمات.
وقد يكون الأمر مقبولًا حال انقطاع خدمة ما، ولكن الأمر غير مقبول إذا تسبب في كوارث؛ وهو ما وقع في حادث الأربعاء 30 أبريل، بطريق الواحات بمدينة 6 أكتوبر، عندما قامت شركة مقاولات بحفر في الطريق العام، وأمام مرأى من كل الناس، وكافة الجهات، ودون أن تحصل على تصاريح، أو يتابعها جيش الموظفين في جهاز المدينة والأحياء، الذين يطاردون الناس في كل مكان عن مخالفات بسيطة، بينما شركة تحفر، وتحت الأرض، مسارات خطوط مياه، وكهرباء، وغاز، وصرف صحي، واتصالات، لا يعلم عنها أحد!
وفي لحظة وجزء من الثانية، وفي ظل غياب وزارة البترول عن متابعة مسؤوليتها، تنفجر الأرض لهبًا إلى عنان السماء؛ لتأكل النار كل من هو في طريقها، وفي مشهد كارثي، وكأن الناس تعيش في حرب بـ"النابالم"، وفي مشهد سينمائي محبوك لكارثة حية، تأكل الناس وكل ما في طريقها.
وتكون أولى الضحايا الطفلة "منة الله" التي أصيبت بحروق تتجاوز 70%، وذنبها أن وضعها القدر وهي في طريقها إلى درس خصوصي، والتي كانت بصحبة جدتها ناهد عبد اللطيف، والتي كان قدرها أن تتوفى في موقع الانفجار، ويختطف الموت شابين عائدين من أعمالهما في مجال صيانة الأجهزة الإلكترونية.
وتم نقل أكثر من 15 مصابًا إلى المستشفيات، ولكن ظل شبح الموت يحيط بهم؛ ليختطف شابين آخرين هما: محمود عاطف، وحذيفة الملا، في لحظة واحدة، وكان قدرهما أن يمرّا لحظة الانفجار في موقع الحادث الناتج عن اهمال جسيم، ويأتي يوم الثلاثاء 6 مايو، ليختطف الموت الشاب محمد عصام سالم، ابن صديقنا وزميلنا الكاتب الصحفي عصام سالم، والذي وضعه القدر في طريق الموت، في اليوم الوحيد الذي يترك فيه عمله في مدينة العبور؛ ليحضر اجتماعًا كل شهر في مدينة 6 أكتوبر.
مؤكدًا أنه لا اعتراض على أقدار الله، فكل نفس ذائقة الموت، ولا تعلم كل نفس بأي أرض تموت، إلا أننا نتحدث هنا عن الإهمال الذي نخر العديد من المؤسسات، والأعمال، فمازال شبح الموت يطارد 10 مصابين آخرين يتلقون العلاج في المستشفيات.
القضية يجب ألا تمر مرور الكرام، كما العادة في عشرات الحوادث المماثلة، فمن المهم أن يتم محاسبة كل من كان وراء هذا الإهمال، وفي كل المؤسسات.. من ترك شركة المقاولات تعمل في حفر بالطرق العامة دون الحصول على ترخيص رسمي، وعدم وجود خرائط بشأن خطوط مختلف الخدمات، بخلاف عدم تبرئة وزارة البترول من هذا الحادث؛ حتى لا يتكرر، فأرواح الناس ليست سقط متاع، وفي ذات الوقت نخرج بدروس واضحة من هذا الحادث.
أعلم جيدًا بأن تحقيقات النيابة ما زالت مستمرة، وهناك تحركات برلمانية في كل اتجاه، وهذا مهم جدًّا، لكن لا يجب أن تتبرأ كل جهة من مسؤوليتها مما حدث، فالاتهام على المشاع، والكل مسؤول، فالدولة تعمل فيها حكومة واحدة، تقع عليها مسؤولية حماية أرواح الناس.
والواقعة الثانية تختص بالحقائق عن وجود عمليات غش في البنزين وقعت بالفعل، وأي تبرئة أو نفي رسمي من وزارتي البترول والتموين، في هذا الشأن غير مقبول، وغير مقنع على الإطلاق؛ فالوقائع قائمة، وبعضها تم تحرير محاضر في أقسام الشرطة بشأنها، بوجود أعطاب في مضخات البنزين ببعض مركبات مواطنين؛ بسبب وجود بنزين مغشوش في محطات وقود.
وحسنًا أعلن الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء، يوم الأربعاء 7 مايو، وفي مؤتمر صحفي، وفي شبه اعتراف بالمشكلة بقوله: "من الواضع أنه حصل خلل معين، في لحظة زمنية معينة ويوم محدد، أدت لهذه المشاكل، واحنا عايزين نعرف سبب المشكلة تحديدًا"، مضيفًا: "لو تم تجاوز هنعرف ونقول ونبلغ؛ لأن هذه المنظومة مستقرة منذ فترة طويلة، ومكنش في شكاوى أو خلل بيحصل".
وصحيح أن الحكومة تحركت منذ اللحظة الأولى، ولكن من غير الطبيعي أن يتم تصدير تصريحات النفي "المُعلبة"، والنفي بعدم وجود بنزين مغشوش، بينما كل الشارع يؤكد، والحالات منتشرة، وكثير من المواطنين يعرفون أصدقاء وجيران وزملاء عمل حدثت أعطال في سياراتهم؛ نتيجة وجود بنزين مغشوش، ولا غير ذلك.
الرسائل المهمة من انفجار غاز الواحات، والبنزين المغشوش، والتي يجب أن تدركها الحكومة؛ أهمها: لم يعد مقبولًا تصدير المشاكل للمواطنين، وإلقاء المسؤولية من جهة إلى أخرى، وكفى بيانات "النفي..عمَّال على بطَّال"؛ فالنفي لا يصلح في كل الحالات، خصوصًا عندما تكون الحالات واضحة، والكوارث والمشاكل على "عينك يا تجار"، فحريق خط غاز طريق الواحات واضح وضوح الشمس، ووجود بنزين مغشوش، كائن حي.. فالثقوب في ثوب الحكومة واضحة، ويجب معالجتها من أجل الوطن والمواطن.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري